(( كلمات من نور ))
العقل في وصية الامام موسى الكاظم ( عليه السلام )
وصية
الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لهشام بن الحكم حول العقل :
يا
هشام : أن الله (عز وجل) ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، وحلاّهم بأحسن الحلية
فقال : ( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ
الأَلْبَابِ ) البقرة : 269 .
يا
هشام : إنّ الله يقول : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ
قَلْبٌ ) ـ ق : 37 ـ يعني العقل .
وقال
: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) ـ لقمان : 12 ـ يعني : الفهم
والعقلَ .
يا
هشام : إنّ لقمان ، قال لابنه : تواضع للحق تكن أعقلَ الناس ، يا بنيّ إنّ
الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ،
وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكّل ، وقيمتها العقل ، ودليلها العلم ،
وسكّانها الصبر .
يا
هشام : لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكّر ، ودليل التفكّر الصمت ، ولكل
شيء مطيّة ، ومطيّة العاقل التواضع ، وكفى بك جهلاً ، أن تركب ما نُهيت عنه .
يا
هشام : لو كان في يدك جوزة ، وقال الناس : لؤلؤة ما كان ينفعك ، وأنت
تعلم أنّها جوزة ، ولو كان في يدك لؤلؤة ، وقال الناس : أنّها جوزة ، ما ضرّك وأنت
تعلم أنّها لؤلؤة .
يا
هشام : ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلاّ ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم
استجابة أحسنهم معرفة لله ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأعقلهم أرفعهم درجة
في الدنيا والآخرة .
يا
هشام : ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع إلاّ رفعه الله ، ولا يتعاظم
إلاّ وضعه الله .
يا
هشام : إنّ لله على الناس حجّتين ، حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة
فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول .
يا
هشام : إنّ العاقل ، الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره .
يا
هشام : من سلّط ثلاثاً على ثلاث ، فكأنّما أعانَ هواه على هدم عقله : من أظلم نور
فكره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ،
فكأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه .
يا
هشام : كيف يزكو عند الله عملك ، وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربّك ، وأطعت هواك على
غلبة عقلك .
يا
هشام : الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل
أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند ربّه ـ وكان الله ـ آنسه في الوحشة
وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزّه في غير عشيرة .
يا
هشام : نصب الخلق لطاعة الله ، ولا نجاة إلاّ بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم
بالتعلّم ، والتعلّم بالعقل يعتقد ، ولا علم إلاّ من عالم رباني ، ومعرفة العالم
بالعقل .
يا
هشام : قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهلِ الهوى والجهل
مردود .
يا
هشام : إنّ العاقل رضي بالدّون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدّون من الحكمة
مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم .
يا
هشام : إن كان يغنيك ما يكفيك ، فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما
يكفيك ، فليس شيء من الدنيا يغنيك .
يا
هشام : إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من الفضل ، وترك
الذنوب من الفرض .
يا
هشام : إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ، ورغبوا في الآخرة ، لأنّهم علموا أنّ الدنيا
طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي
منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة ، فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته
.
يا
هشام : من أراد الغنى بلا مال ، وراحة القلب من الحسد ، والسلامة في الدين ،
فليتضرّع إلى الله في مسألته ، بأن يُكمل عقله ، فمن عقل قنع بما يكفيه ، ومن قنع
بما يكفيه استغنى ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يُدرك الغنى أبداً .....
COMMENTS